رحمك الله يا بو مبارك



ستكتمل قريبا سنوات خمس على فقدك .. طيب الله ثراك يا أمير القلوب

30 أكتوبر 2008

العقد النفسية للمدونين





السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،



قررت هذه المرة أن أحلل شخصيات المدونين على اختلاف توجهاتهم و أدلي بدلوي المتواضع تجاه هذا الموضوع . أنا أحب علم النفس و لدي اهتمام خاص بطب الأمراض النفسية و إن كنت لست متخصصة في هذا الفرع من فروع الطب لأسباب كثيرة ،ولكن هناك أمور يمكن الحكم عليها كما يقال ( بالسليقة ) ..

بداية أود التنويه أن هذا مجرد اجتهاد شخصي أخلط فيه بعض الحقائق الطبية مع انطباعي العام ، و لست أعني شخصا معينا في كلامي . إنما هي مجرد عادة لدي في النظر و التأمل بأحوال الناس حولي .و محاولة فهمهم و الوصول لخطهم الفكري و النفسي . ومن وجهة نظري الشخصية فإن التدوين هي عملية فريدة من ناحية إمكانية المزج بين الخطوط العامة لفكر المدونين مع حياتهم الشخصية و أفكارهم الخاصة

سمعت عن المدونات للمرة الأولى من خلال لقاء د. الغبرا في برنامج ديوانية الأسبوع قبل عامين تقريبا ، التي استضاف فيها عددا من المدونين أذكر منهم شروق و زيدون و اليوسفي . كنت أدرس أيامها في الخارج و حاولت الاطلاع على المدونات بالانترنت فلم أوفق ، و لا أذكر السبب.و في الصيف الماضي قرأت مقالة الدعيج في القبس عن المدونات ، فكانت بداية اهتمامي بالمدونات مرة أخرى ومواظبتي على متابعتها ثم إنشاء مدونتي الخاصة.



أعود الآن للحديث عن المدونين .


أولا:
إن ممارسة التدوين هي وسيلة لتفريغ الأفكار و الانفعالات . و هي نشاط إيجابي نفسي سليم يؤدي للراحة النفسية و لو بشكل جزئي. فالمدونون قد اختاروا طريق التفاعل مع ما حولهم و إن كانوا غير راضين عنه . و هذا يعكس روحا و عقلا بناءين يسعيان للتواصل و التجديد و التصحيح . فليس هناك طريق لم يسلكوه و لا باب لم يطرقوه من أجل تحقيق الهدف .
ثانيا :
أعتقد أن المدونين ( و منهم أنا ) يعانون من حالة اغتراب عن مجتمعاتهم مما جعلهم يهربون لعالم الانترنت للتعبير عن أفكارهم. و مما يؤكد هذا الاعتقاد هو شعور المدون بالراحة و الانتعاش بعد الاطلاع على مدونته و غيرها من المدونات ، خاصة إذا ما وجد من يوافقه الرأي في التعليقات.



ثالثا :
يبدو أن كثيرا من المدونين غير راضين عن حاضرهم ، و ينتابهم القلق من التفكير بالمستقبل و إن كانوا يعملون جاهدين لتحسينه . أستند في هذا على الحنين الغريب لكثير من المدونين إلى ماضيهم و تقديسهم لأيام الطفولة و رموز الماضي أيا كانت. و هذا يدل على عدم الرضا عن الحاضر إلى حد ما. و من جهة أخرى أيضا يدل بشكل جزئي على عقلياتهم المتميزة التي تحلل المشاكل و المعوقات و تحاول بحث أسبابها عن طريق الاهتمام بأصل نشوءها . فهم يسعون لإكمال الحلقة الناقصة في السلسلة التي تصل الماضي بالمستقبل.


رابعا :
المدونون هم فئة خاصة من المجتمع تتميز بالذكاء و العقلانية . أغلبيتهم شخصيات قيادية و لها وضعها الخاص على نطاق الأسرة و العمل . و منهم من يجد نفسه ملزما بالتدوين و التواصل مع القراء ، و يعتبر مواصلة التدوين واجبا و التزاما . و هذه الفئة من المدونين تكون في قمة الشعور بالمسؤولية . و نستطيع اعتبارها ركنا أساسيا لاستمرار دور التدوين في النهوض بالمجتمع و إثارة القضايا المختلفة . فالمسألة بالنسبة لهم ليست هواية أو مكانا يفرغون فيه أفكارهم ، بل كما أسلفت وسيلة لتحسين المستقبل .
خامسا :
بقيت فئة قليلة من بين المدونين و هي الفئة المعاكسة لمن تكلمت عنهم في الفقرة السابقة . الفئة التي تمارس التدوين بلا التزام كامل و لا شعور بالمسئولية . و تعتبر التدوين ( موضة ) إن صح التعبير .و هي تدون بلا ( استراتيجية ) واضحة أو خط فكري معين .و الواقع أن هذه الفئة هي نموذج لعناصر كثيرة في المجتمع ممن لا يتمتعون بخاصية معينة تجعلهم مميزين . فنجدهم يركبون كل مركب على أمل اللحاق بالأسطول الكبير الذي شق طريقه وسط الأمواج . لا أعتقد أن لهذه الفئة تأثيركبير على المسار التدويني و في نفس الوقت فهي لا تتأثر به بشكل يغير من نمط حياتها أو طريقة تفكيرها.
ختاما ، أتمنى أن يجد تحليلي هذا قبولا منكم و أكرر أني لا أقصد أحدا معينا في أي كلمة ذكرتها هنا .
و دمتم
سيدة التنبيب

25 أكتوبر 2008

بر ..عقوق الوالدين

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


أرغب اليوم بالحديث عن ظاهرةصادفتني كثيرا خلال عملي في مستشفيات الكويت المختلفة. هي ليست ظاهرة بالمعنى السائد ولكنها من الذنوب الكبيرة و العياذ بالله . إني أتكلم - كما يقول العنوان عن عقوق الوالدين .


قبل ثلاث سنوات تقريبا ، أدخلت سيدة مسنة في الخامسة و السبعين من عمرها إلى العناية المركزة . كانت تعاني من فشل في القلب ناجم عن ضعف عضلة القلب . إلى جانب ذلك كانت تعاني من ( أمراضنا الوطنية ) و هي أمراض ارتفاع ضغط الدم و السكر و السمنة. كانت قد فقدت بصرها بسبب السكر و تستعين بسماعات لكي تتمكن من السماع جيدا.و طبعا لا داعي للقول بأنها لا تستطيع مغادرة الفراش بسبب السمنة و لآلام المفاصل و ضعف القلب . في صباح اليوم التالي ، جاءت إحدى بناتها تطلب الدخول لزيارتها. قلت لها أن الزيارة غير مسموح بها الآن و أن عليها أن تأتي عصرا .فأخذت تبكي و ترجوني أن أسمح لها بالدخول ، لأنها تخاف أن تتوفى والدتها قبل أن تسامحها . فهي كما قالت لم تزر والدتها و لا تكلمها منذ سنوات ! لم أستطع التعليق على الموضوع و سمحت لها بالدخول في أول فرصة سنحت بعد انتهائنا من المرور على المرضى . مالذي يمكن أن تفعله أم مسنة مريضة لا ترى و لا تكاد تسمع أو تتحرك بابنتها ، حتى تستحق منها كل هذه القطيعة ؟


و في إحدى المرات استقبل أطباء الحوادث رجلا مسنا يعاني من جلطة دماغية .من أحضره هو ( الصبي السائق الخادم ) ، الذي يعتني به .طلبوا منه الاتصال بأبناء المريض ليحضروا حتى يستطيعوا معرفة حالته و الأمراض التي يعاني منها و الأدوية التي يتلقاها . فإذا به يقول أنه هو المسئول عنه و يعرف كل ذلك و هو من يعطيه أدويته في مواعيدها و يذهب به لمراجعات العيادة في المستشفى . بل إنه أيضا يعرف رقم ملفه و يقوم باستخراجه في كل مراجعة!
في إحدى مناوباتي طلبت مني ممرضة أن أسحب دما لمريضة عندهم في الجناح لأنها تجد صعوبة في ذلك .ذهبت للمساعدة رغم أني لست مسئولة عن حالة المريضة ، فوجدتها سيدة مسنة أيضا و تعاني من جميع الأمراض الموجودة في كتب الطب ، و تتلقى ( صيدلية ) كاملة من الأدوية ، و ليس معها إلا الخادمة التي بالكاد تتحدث العربية - لأنها قدمت حديثا لتعمل هنا - و هي أيضا مسئولة عن رعاية السيدة .و السيدة المسنة ليست بوعيها الكامل بسبب جلطة دماغية قديمة . عندما اقتربت من السيدة المريضة لأسحب الدم لم أستطع التقدم كثيرا بسبب انبعاث رائحة كريهة جدا منها و اضطررت لاستعمال ثلاث أقنعة وجه لأستطيع الاقتراب منها و سحب عينة الدم . تمكنت من ذلك بصعوبة ، و بمجرد الانتهاء قصدت غرفة التمريض في الجناح لأفرغ معدتي ( أجلكم الله ) من شدة الغثيان الذي أصابني من رائحة السيدة !
هذه القصص واضحة و لا حاجة للتعليق . و هي مجرد أمثلة أتذكرها لحالات كثيرة تصادفنا في المستشفى حول إهمال الأبناء لرعاية آبائهم و أمهاتهم المرضى عند كبر سنهم .لن أحول المدونة إلى مكان لشرح المكانة الدينية و الأخلاقية لبر الوالدين .. لكن ما أردته هو تسليط الضوء على تفشي القسوة في قلوب الكثير من الناس ، و تبلد مشاعرهم و غياب ضمائرهم اتجاه أقرب الناس لهم .و الله المستعان .
و دمتم
سيدة التنبيب

21 أكتوبر 2008

الإداريون الأطباء 3

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.




تعرضت في المقالين السابقين إلى السلبيات الناتجة من القرارات الإدارية غير السليمة و التي تتسبب بعرقلة العمل . و ذكرت حادثتين للتدليل على ذلك . و الواقع أني لو أردت أن أكتب الحوادث التي صادفتني شخصيا ،لربما احتجت إلى مجلد ليسع ذلك دون مبالغة . و لك - عزيزي القارئ -أن تتخيل الوضع لو صدرت مثل هذه القرارات من إدارات متعددة . مثل أن تقوم هيئة التمريض و قسم المختبر و المخازن الطبية مثلا بإصدار قرارات غير سليمة ، و المشاكل التي ستترتب على ذلك. أود أن أشير في البداية إلى أن هذه القرارات لا تحدث في كل المستشفيات ، بل كل إدارة قد تنفرد بقرار خاص بها . فمن اعتاد على نظام معين في المستشفى أ قد لا يجده في المستشفى ب . و هذه تعكس العشوائية المركزية أو المركزية العشوائية التي تعاني منها إداراتنا.



هناك الكثير من العوامل التي تؤدي إلى صدور مثل هذه القرارات غير السليمة . العامل الجذري من وجهة نظري يتمثل في اختيار القيادات .إن نظرة المجتمع للمنصب الإداري ( القيادي ) نظرة مخطئة تماما. فالمنصب القيادي في مجتمعنا يعتبر بمثابة تكريم للشخص و يصبح منصب تشريف و ليس تكليفا كما يفترض أن يكون. ومعايير الاختيار تتدخل فيها أمور كثيرة ، ليس من بينها على الإطلاق في أغلب الأحيان الكفاءة العلمية و المهنية. و هنا تبرز مشكلة المركزية في اتخاذ القرار . حيث أن أغلب المدراء يريد أن يظهر بمظهر العالم العارف بخبايا الأمور و على أساس ذلك يتخذ القرار.أو قد تكون حوله ( بطانة ) من المتنفعين الذين يظهرون بمظهر الناصح الواعي و يتسببون في المشاكل ، بسبب قصر نظرهم و تقديمهم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة .




الواقع أني أريد التفربق بين العمل الإداري البحت و العمل المهني الفني .فهناك أمور لا تحتاج إلى شخص متخصص للبت فيها .مثل أغلب الأعمال الإدارية الروتينية . و على الجانب الآخر ، هناك من الأمور التي تحتاج إلى تدخل شخص خبير و على مستوى معين من القدرة على التوفيق بين القرارات الإدارية و بين التفاصيل المهنية ، من أجل الوصول لأفضل الحلول التي لا ترجح كفة أي من الجانبين على حساب الآخر. و المشكلة في الطب و ربما بعض التخصصات الأخرى تداخل الأمرين فيصبح من السهل تغليب الجانب الإداري على الطبي عندما يفتقر مركز القرار للخبرة اللازمة لتحديد الأولويات .
لقد أتيح لي حضور بعض الاجتماعات حيث يتم اتخاذ القرارات . و لمست أبعاد المشكلة . مركز اتخاذ القرار بعيد تماما عن الواقع العملي اليومي لنا . و من يملك الحلول الوسيطة بالكاد يستطيع إيصال فكرته . هناك تنسيق لقترة مؤقتة فقط .. دون محاولة للإصلاح على المدى البعيد . لا نريد مشاكل الآن و هذا يكفي ، ليس مهما ما قد يترتب على ذلك . في أحد المستشفيات حيث لا يوجد وحدة لغسيل الكلى ( غسيل الدم هو المصطلح الأصح )، يفترض أن يتم تحويل المرضى الذين تسمح حالتهم لمستشفى آخرحيث مركز الغسيل . أما من يحتاج الغسيل بشكل لا يحتمل التأخير فيتم ذلك في وحدة العناية المركزة .يتم استغلال ذلك .. فحتى المرضى الذين يجب نقلهم يعمل لهم الغسيل في العناية المركزة .من جهة هم يستغلون موارد العناية المركزة في حالات لا تستحق . و من جهة يخف الضغط عن مركز غسيل الكلى ، فلا يدركون مدى احتياج المستشفى لوحدة غسيل كلى وبالتالي يتأخر إنشاؤها. أي أننا بدلا من أن نضغط عليهم لينشئوا وحدة الغسيل التي نحتاج وجودها فعلا ، نقوم بعملهم ويزداد الضغط علينا بلا بادرة للتحسن . ( يعني نقول ميخالف نتحمل ليما يقتحون لنا وحدة غسيل ) و هذا لن يحدث فنظل ندور في نفس الدائرة . فهذا الموقف مثلا يحتاج لطبيب يقدر الحالات التي يمكن تحويلها لمركز الغسيل ، و في نفس الوقت يقدر أهمية الضغط لإنشاء وحدة غسيل كلوي .بينما الأمر عندنا يعتمد على ( تلفون ) من مدير المستشفى لأنه ( يمون ) على فلان أو فلان ( يمون عليه ) و ليس على العوامل التي ذكرتها.


و دمتم

سيدة التنبيب



18 أكتوبر 2008

الإداريون الأطباء 2

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.


من جديد حول نفس الموضوع .إن مشكلة سطحية العمل الإداري و تأثيره على العمل الفني أو المهني هي مشكلة منتشرة في جميع الإدارات و على كافة المستويات . لكنها في مجال الطب - من وجهة نظري الشخصية - تكون ذات تأثير مضاعف .فالقرارات الإدارية كثيرا ما تتسبب في تأخير علاج المرضى . فنحن قد اعتدنا دائما أن أي قرار أو تعميم من الإدارة غالبا ما يكون قد اتخذ ليعرقل عملنا، فنادرا ما تجد هذه القرارات تصب في مصلحة العمل . ذكرت في المقال السابق قصة جهاز الأشعة ، وسأضرب اليوم مثالا آخر ، على أن أعلق على الموضوع بشكل واف في المرة القادمة إنشاءالله .

في صيدلية الطوارئ لأحد المستشفيات ( حدث هذا منذ ثلاث سنوات و لا أدري إن كان مستمرا أم لا ) تم تقليص الأدوية بشكل كبير و منع وجود أدوية أخرى تماما بحجة أنها لا تستخدم في الطوارئ بل في الأجنحة . مثال على ذلك كثير من المضادات الحيوية التي تحقن في الوريد ( لارتفاع سعر بعض الأنواع ).هذا القرار صحيح إداريا مئة بالمئة. لكن أي طبيب ( مجابل مرضاه ) سيعلم تلقائيا أن هناك مشكلة نقص أسرة في الأجنحة . وأننا كثيرا ما نعالج المرضى في الطواريء لمدة يوم و يومين كعلاج الأجنحة ، بانتظار توفر سرير للمريض في الجناح. فليس من المعقول أن نؤخر العلاج لعدم توفر سرير. و تبعا لذلك سنحتاج بعض تلك الأدوية التي تعطى فقط لمريض الجناح ( حسب القرار ).في إحدى مناوباتي تم استدعائي بعد منتصف الليل إلى الطوارئ لوجود مريضة بحالة ربو شديدة.و من ضمن العلاج كنا نحتاج لمضاد حيوي من نوع خاص يعطى بالوريد لأن التهابا شديدا بالصدر هو ما تسبب بأزمة الربو الحادة هذه. كانت المريضة تعاني من حساسية لأنواع معينة من المضادات الحيوية ، و يتوجب علي في هذه الحالة أن أقوم بحقنها بنفسي دون الاعتماد على الممرضة تحسبا لتعرضها للحساسية أثناء الحقن . طلبت من الممرضة إحضار هذا المضاد ففوجئت بها تقول يجب أولا أن نحضر ملف المرضة و أكتب وصفة نرسلها لصيدلية المستشفى المركزية حتى نحصل على الدواء. لأن هذا الدواء يصرف فقط لمرضى الأجنحة و لا يتوفر في الطوارئ.و لمن لا يعلم بيروقراطية عملنا أقول أن هذه العملية تشتغرق من ساعتين إلى ثلاث ساعات في أحسن الأحوال. علي أن أنتظر كل هذه الفترة مع المريضة من أجل أن أعطيها الجرعة الأولى من المضاد الحيوي.و لنتخيل أنه يتم استدعائي لحالة أخرى طارئة أنشغل بها و لا أتمكن من العودة لهذه المريضة ، إذن يبدو أن هناك احتمال كبيربأن يتأخر علاجها . ( في دول العالم المتحضر أول شئ يعطى للمريض بالالتهابات الرئوية الحادة بعد الأكسجين هو المضاد الحيوي بالوريد ، حتى قبل سحب عينات الدم و إرسالها للمختبر و ذلك لخطورة هذه الالتهابات على حياة المرضى ).


خلال وجودي معها تم استدعائي لحالة طارئة أخرى . فاضطررت لاستدعاء زميلي المناوب ليكمل عني هذه الحالة أو يتوجه للحالة الجديدة . كان لتوه قد انتهى من حالة في الجناح . قلت له و أنا أعرفه على حالة مريضة الربو ، أننا قد نضطر لمتابعتها هنا حتى الظهر، لعدم وجود سرير في الجناح بانتظار خروج المرضى من الأجنحة و الذي عادة مايكون في فترة الظهر. فقال لي ضاحكا بمرارة : بلى هناك سرير في الجناح ، فالمريضة التي كنت عندها في الجناح قد توفيت ! لا أخفي عليكم أني فرحت لتوفر السرير لكن فرحتي كانت سوداء إن صح التعبير . هل يجب علينا أن ننتظر أن يموت أحد من أجل ان نتمكن من علاج أحد آخر بشكل جيد في هذا البلد؟


و دمتم

يتبع إنشاءالله

سيدة التنبيب

11 أكتوبر 2008

الإداريون الأطباء .. 1

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.



أود التعليق على مجموعة من الأحداث تتعلق بسلبيات العمل الإداري في مستشفياتنا ، و تأثير ذلك على العمل الطبي .الواقع أننا نحتاج لقياديين متخصصين ، على درجة من الإلمام بمهنة الطب بفروعها المختلفة . و عليهم الإلمام أيضا بتداخل ممارسة الطب و العمل الإداري، دون تأثر ممارسة الطب و علاج المرضى بالقوانين الإدارية الجائرة في بعض الأحيان .

1- النائب الطبيب .



ملاحظة : جميع الأحداث التي أذكرها حقيقية و أبطالها لا يزالون في أماكنهم حتى هذه اللحظة .


سأتحدث اليوم عن أحد النواب الأطباء الذي كان يشغل منصب مدير إحدى المستشفيات منذ فترة ليست قصيرة . بعد تطبيق قانون الرسوم على الخدمات الطبية للوافدين ، كانت هناك حالة مرضية تتطلب المتابعة المستمرة بالفحص بجهاز الموجات فوق الصوتية ( السونار )بمعدل 3 مرات أسبوعيا.جهاز السونار كان من نوعية خاصة و ليس جهاز السونار العادي و قامت الوزارة بدفع ثمنه المضاعف من أجل تحسين الخدمات الصحية ، و كان يستخدم لحالات مرضية معينة و نادرة تحتاج عناية خاصة . أي أنه ليس جهازا عاديا يستخدم بشكل يومي . و كان على المريض الوافد أن يدفع عشرة دنانير في كل مرة للتمكن من هذا الفحص. قرر الفريق الطبي المتابع للحالة بأن يكون الدفع أسبوعيا و ليس لكل مرة ، لأن هذه تعتبر حالة متابعة و ليس حالة جديدة .و الواقع أن هذا كثيرا ما يحدث في المستشفيات حيث يقرر الأطباء عمل فحص السونار المتكرر دون رسوم إذا ما دفع المريض للمرة الأولى و أظهر الفحص نتيجة سلبية و كانوا يتوقعون التغيرات في اليوم التالي .. يقوم الطبيب بعمل السونار لنفس المريض دون رسوم كنوع من المساعدة الإنسانية ، فنحن أطباء أولا و أخيرا .


عندما علم مدير المستشفى بذلك أمر بإخفاء جهاز السونار المتخصص ( المرتفع الثمن ) ، في مخزن المستشفى و منع الأطباء من استعماله و بذلك حرم المرضى الكويتيون و الوافدون من هذا الجهاز ، واستمر ذلك المنع لفترة طويلة . تمت كثير من المحاولات لإقناعه بالتراجع عن ذلك و السماح بإعادة استخدام الجهاز و لو للمرضى الكويتيين فقط ، دون جدوى . كان يعتقد أن هناك استغلالا للجهاز دون وجه حق . و الواقع أن هذه مشكلة عند من يفكر كإداري .. أما من يفكر كطبيب فلا يأبه بمثل هذا.فما قيمة الأجهزة و الأموال إن لم تكن لخدمة البشر. كما أن فحص السونار يتميز عن باقي فحوصات الأشعة بأنه يعتمد على جهد الطبيب . فهو ليس مثل أشعة الكومبيوتر المقطعية و الرنين المغناطيسي و غيرها من الفحوصات التي تعتمد على كفاءة الجهاز و تكون باهظة الثمن .أي أن تكلفة استعمال جهاز السونار ضئيلة جدا و لا تكاد تذكر مقارنة بتكلفة الأشعة المقطعية ( 70 دينار ) و المغناطيسية ( 150 دينار على الأقل ).
إن هذه الواقعة واضحة ولا تحتاج لتعليق. إن الكثير من الإداريين في مستشفيانتا فقدوا ( الحس الإكلينكي ) كما نسميه . و نقصد به القدرةعلى استيعاب الحالات المرضية المختلفة و حاجاتها . بالنسبة له هو جهاز سونار ( و خلاص ) . ولا يجب أن تكون هناك ضجة لمنع استخدامه .. فلنتخيل أنه غير موجود أو أنه عطلان ، لا فرق . لكن سؤالي لحضرة المدير هو : لو كان من يحتاج الجهاز هو أحد أقربائك ، هل كنت ترضى أن يكون الجهاز في المخزن و لا يستخدم ؟
و دمتم
يتبع إنشاءالله

سيدة التنبيب




07 أكتوبر 2008

يعني لازم يكتشفونكم بفضيحة ؟

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.


استكمالا للحديث السابق عن الجرعة الزائدة ، أود الحديث عن متعاطي المخدرات في حالة تعرضهم لجرعة زائدة .ففضلا عن احتمال تعرض حياتهم للخطر ، لا أظنهم يتصورون مدى القلق الذي يسببونه لأهلهم عند انفضاح أمرهم .سواءا عندما يتركون أمام المستشفى أو في أي مكان ، أو عندما يتم نقلهم من المنزل بواسطة الإسعاف . ترى هل فكر أحدهم يوما بمقدار ( البهدلة ) التي يتعرض لها ذويهم عند انكشاف أمرهم ؟ إنهم يعانون الأمرين : الخوف على حالة ابنهم أو ابنتهم الصحية و احتمال وفاتهم من جهة ، و من جهة أخرى يتعرضون للإجراءات الرسمية الخاصة بالتحقيق و استدعاء كل من له صلة إلى المخفر و ربما الطب الشرعي .


الحقيقة أنه وضع صعب جدا و أتمنى أن لا يعانيه أحد أبدا. في إحدى المرات أحضر رجال الإسعاف شابا في الثلاثينات من عمره غائبا عن الوعي باشتباه جرعة زائدة . و جميع أخوته و أخواته كانوا يعلمون بموضوع تعاطيه للمخدرات .و هم من أخبرنا بذلك في غرفة الطوارئ رغبة منهم في مساعدتنا على إنقاذ حياته . الوحيدة التي لم تكن تعلم هي المسكينة زوجته . كم كانت صدمتها كبيرة عندما حدثها أحد الأطباء بصورة عفوية , ظنا منه أنها تعلم بالأمر لأن جميع أفراد عائلته كانوا يعلمون .كان موقفها صعبا و هي تفكر بزوجها و حياتها معه و نظرة الناس . و لا أدري كيف ألهمني الله الحديث معها لأهدئ من روعها .فأنا من الذين لا يتماسكون في المواقف المؤثرة . لكنني استطعت امتصاص انفعالها و حدثتها كأخت محاولة بعث الاطمئنان في نفسها.



أما والده المسكين فكان كالمذهول وهو يفكر بالحالة الصحية لولده ، و هل سيعيش أم لا ؟ لم يكن مهتما لمسألة الفضيحة و إجراءات الشرطة .. كان فقط يسأل باستمرار إن كان ولده سيعيش أم لا . و بقية أخوته - بعد أن اطمأنوا على استقرار حالته الصحية و عدم وجود ما يهدد حياته - شرعوا بالتفكير في كيفية لملمة الموضوع لتفادي الفضيحة .يحاولون أمامنا أن يجدوا الأعذار لإدمان أخيهم متصورين أننا - كأطباء - قد نشمت به و نساعد الشرطة ضده. أخبرتهم أن التحقيق لا يعنينا في شيء , و القضية لا تهمنا أبدا . كل ما نريده هو يتماثل أخوهم للشفاء و أن يغادر المستشفى بصحة جيدة .فلسنا مباحث أو إدارة مكافحة المخدرات .. نحن فقط أطباء نمارس عملنا في إنقاذ حياة الناس.



إنها كلمة أتوجه بها لمدمني المخدرات ..إن تعاطي المخدرات جريمة كبيرة بحقكم و بحق مجتمعكم .و إن كانت حياتكم و كرامتكم ليست مهمة عندكم ، فتذكروا أهلكم الأبرياء الذين سيؤخذون بجريرتكم إذا ما انكشف أمركم .



و دمتم



سيدة التنبيب

05 أكتوبر 2008

الكوليرا.. و نائبنا الفاضل

السلام عليكم جميعا و رحمة الله و بركاته.



كنت أود استكمال الحديث عن الجرعات الزائدة .. و لكنني قررت التعليق على سؤال أحد النواب بشأن استعدادات وزارة الصحة تجاه انتشار الكوليرا في العراق و احتمال تعرض الكويت لذلك . و مطالبته بإنشاء مركز حدودي للكشف على القادمين من العراق. في الواقع أني أريد فقط الحديث عن الموضوع من ناحية طبية ، سيتضح لك من خلالها - عزيزي القارئ- مدى ضحالة تفكير نوابنا ، و أنهم فقط يسألون دون الاطلاع على الموضوع الذي يسألون عنه !




الكوليرا مرض وبائي يصيب الإنسان في المناطق الموبوءة من تعرضه للمياه الملوثة غير المعقمة بالكلور . و غالبا ما تكون مياه راكدة،تستخدم للشرب و قضاء الحاجة ( أعزكم الله ) . وواضح جليا أنه ليس لدينا مثل هذه المياه. (( الحمدلله على النعمة ))

الكوليرا لا تنتقل من شخص لآخر بل يجب أن يتعرض الشخص للمياه الملوثة لكي يصاب بالكوليرا



الشخص المصاب بالكوليرا - أجارنا الله و إياكم - لا يمكنه التنقل من مكان لآخر لأنه يصاب بإسهال شديد و فقدان كمية كبيرة من السوائل تجعله طريح الفراش .



منذ تحرير العراق حتى الآن سمعنا عن ثلاث موجات على الأقل لانتشار الكوليرا في مناطق مختلفة هناك. فهي ليست المرة الأولى التي تنتشر الكوليرا عندهم .و في كل مرة يمكن السيطرة على المرض بمراقبة مياه الشرب و تجنب المياه الملوثة. و خلال هذه الفترة تنقل الكثير من الأشخاص بين الكويت و العراق . الكثيرمن الأخوة العراقيين الجرحى تم علاجهم في مستشفياتنا . و أيضا من القوات المتعددة الجنسيات و حتى سائقي الشاحنات الذين ينقلون البضائع عبر الكويت إلى العراق .


إن الكوليرا لا تطير في الهواء لتدخل إلى الكويت ، و لا يمكن لأي شخص يصاب بها في العراق أن ينقلها للكويت ، لأنه لن يكون في حالة تسمح له بالسفر . و حتى لو دخل الكويت شخص مصاب فلن ينقلها لنا إلا لو شربنا مياها ملوثة بفضلاته ( أعتذر عن التعبير و لكن هذه حقيقة علمية ).


طبعا الاحتياط واجب ، و الاهتمام بصحة المواطنين أولوية . لكني أرى أنه يجب أن يكون هناك بعض المنطق تجاه أي قضية تطرح على الملأ. وأظن أن عضو مجلس الأمة يجب أن يطلع قليلا على الموضوع الذي يتحدث بصدده، فالمسألة ليست مجرد الحديث عن الكوليرا و السلام . إن نوابنا أصبحوا يتدخلون في كل شيء . لم يبق إلا أن نفتح صنبور المياه لينزل لنا بعض النواب بدل قطرات الماء .






و دمتم







سيدة التنبيب