رحمك الله يا بو مبارك



ستكتمل قريبا سنوات خمس على فقدك .. طيب الله ثراك يا أمير القلوب

25 سبتمبر 2009

عندما يُضرَب الأطباء ..

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..







سجلت الصحف قبل أسابيع حادثة ضرب أحد أطباء القلب في مستشفى مبارك من قبل أبناء إحدى المريضات . و سجلت أيضا تفاعلا على المستوى الرسمي تجاه هذه الحادثة ممثلا بوزارة الصحة و الجمعية الطبية التي طالبت - مشكورة- بتفعيل قانون لحصانة الأطباء . و لا يخفى على أحد أن هذه الحادثة ليست الأولى و لن تكون الأخيرة في مستشفياتنا . أنا نفسي شهدت حادثتين في أربع سنوات تتعلقان بمحاولة اعتداء على الأطباء أثناء عملهم من قبل أهالي المرضى .. غير أني في إحدى الحادثتين كنت أود مشاركة أهل المريضة في ضرب الطبيب ! فرغبتي في الحديث عن هذا الموضوع اليوم .. تنبع من زاوية قد تكون مغايرة لما يجب أن تكون عليه نظرة الطبيب في مثل هذه الأمور.









بغض النظر عن ما تنشره الصحف حول الأخطاء الطبية ، و الذي أعتبره منافيا للحقيقة في كثير من التفاصيل - مثل الحادثة الأخيرة لطفل الجهراء و انفجار الزائدة الدودية - و بغض النظر أيضا عن انفعال أهالي المرضى للتعبير عن مشاعرهم نحو مرضاهم ، أعترف أنه قد يكون هناك قصور في العناية الطبية لبعض المرضى .. إلا أن استخدام الضرب و الاعتداء - حتى اللفظي منه- ليس أسلوبا حضاريا و لا دينيا للتعبير عن السخط و عدم الرضا . و هو لا يحل المشكلة بل يتسبب بمشكلة جديدة. قبل سنوات ، حدثني أحد أقاربي حول موقفه من إحدى الطبيبات في قسم الحوادث بمستشفى مبارك أيضا ، و كيف أنه رفع صوته و أهانها في ممر المستشفى أمام الجميع ، بسبب تقصيرها ناحية والدته .. و كيف أنه رمى بطاقته المدنية في وجه محقق المستشفى عندما تقدمت الطبيبة بشكوى ضده! سألته ماسم الطبيبة ، فلم يخبرني بادئ الأمر .. و عندما أصررت قال لم تريدين معرفة اسمها ؟ قلت ربما كنت أعرفها . ثم طلبت تفاصيل أكثر حول الحادثة فثار في وجهي و قال لم أنت مهتمة بذلك ؟ قلت : فقط أريد أن أعرف .. هل ترضى أنت أن يفعل أحد معي ما فعلته أنت معها ؟ عندها أطرق برأسه و صمت قليلا ثم عاد ليقول و قد وصلت رسالتي له : و لكن أنت لست مثلها!








بعض الأطباء يستحقون ما يحدث لهم .. حتى و إن كنا نستنكر هذه التصرفات . ليس دفاعا عن أهل المرضى بل لأنهم فعلا يستحقون ذلك . فمن لا يستطيع احتواء أي موقف و تقدير عواقبه عليه أن يتحمل نتيجة ذلك . و لو أن هناك بعض الاستثناءات..و التي يكون الطبيب فيها فعلا مظلوما. أعرف طبيبا قام ابن مريضة بإشهار مسدس في وجهه و هدده بأنه سيحضر جميع أهله لقتله إن لم تصح أمه من غيبوبتها! اتضح فيما بعد أن ابن المريضة هذا مريض نفسي و قام أخوته بالاعتذار للطبيب. لكن في بعض الأحيان .. أنا نفسي كطبيبة أشعر برغبة في ضرب طبيب ما و لو كانت طبيبة أتمنى أن أقوم بشد شعرها نتيجة بعض التصرفات التي أراها . فهناك من الأطباء - بغض النظر مرة أخرى عن الأخطاء الطبية - من لا يحسن التعامل مع المرضى أو أهلهم . سمعت طبيبا يجيب سيدة كان ابنها ذو العشرة أعوام يرقد في غيبوبة عميقة نتيجة حادث سيارة ، يجيبها قائلا عندما سألت عنه : مشاري ؟ لا تسألين عن مشاري .. مشاري خلاص انسيه ! و ذلك لأن مشاري رحمه الله كان تقريبا ميتا دماغيا و إن لم يعلن ذلك رسميا . جاء عم مشاري بعد فترة يرغب بضرب الطبيب لأنه حدث الأم بهذه الطريقة و تسبب بانهيارها .. و كانت مشاعري مزيج من الغضب و الفرح .. كنت غضبة من موقف الطبيب ، و فرحة لأن عم مشاري ( قاعد يهاوشه ) و قد يضربه .









في كثير من المواقف .. نيأس نحن الأطباء من علاج بعض الحالات المتأخرة التي لا تستجيب لكل أنواع العلاج التي نعرفها . و نكون متوقعين وفاة المريض في أي لحظة . بالنسبة لي عندما يكون أهل المريض حاضرين ذلك .. أقوم بالحديث إليهم و شرح الوضع .. و أحيانا أتظاهر بأني أقوم بأشياء إضافية لعلاج المريض رغم أنه يكون على أقصى أنواع العناية و العلاج. و ذلك فقط لأوحي لأهل المريض أني أقوم بشئ و لست فقط أنتظر موته. بعض الأطباء لا يجد فائدة من هذه التمثيلية .. و ينصرفون تاركين المريض و أهله . و بعضهم يكون فعلا مشغولا و لا يمكنه البقاء مع حالة منتهية أصلا فقط من أجل أهل المريض . هذه هي المواقف التي أشعر أن الطبيب يكون فيها معرضا للاعتداء من قبل أهالي المرضى .و التي يجب أن يحاول الأطباء تفاديها بقدر المستطاع .. فكلمة بسيطة قد تمنع حدوث مشكلة كبيرة.




دمتم جميعا بخير




سيدة التنبيب








19 سبتمبر 2009

إنما المدونون أخوة ..


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ....




في مثل هذه الأيام من العام الماضي كانت بداية انضمامي لعالم المدونين. و قد عادت هذه التجربة علي بفائدة كبيرة جدا . لا يمكن أن أحدد حجم هذه الفائدة لكنني على الأقل عرفت أن كثيرين من بني وطني يشاركونني الأفكار و الآمال .. و أن كثيرين من بينهم أيضا مبدعون و مفكرون و مثقفون . كنت قد فقدت الأمل في في الشباب الكويتي .. لكن المدونات فتحت لي بابا واسعا نحو أبناء وطني على اختلافاتهم الكثيرة في الجنس و العمر والعمل و التخصص و الأصل و الفصل والحالة الاجتماعية و حتى منطقة السكن.
لست بحاجة لتعداد فوائد التدوين و مطالعة المدونات .. فأغلب من يدون يشعر بهذه الفوائد و لذلك يستمر بالتدوين أو المرور على المدونات . لكن ما أود تبيانه من فائدة خاصة بالنسبة لي .. هو أن وضعي كطبيبة يجعل جل اهتمامي ووقتي منصب على العمل و مسؤولياته .. و بالكاد أتمكن من متابعة قضايا المجتمع من خلال الصحف و حتى هذه المتابعة غالبا ما تكون سطحية. أما المدونات فقد أتاحت لي الاحتكاك عن قرب بمختلف الآراء و التوجهات .. كل ذلك و أنا أمام شاشة الكومبيوتر.
في خاتمة المقالة .. أود أن أشكر جميع المدونين و المدونات على تفاعلهم و مشاركاتهم .. كما أود طلب المعذرة و الصفح من المدونين الذين حصلت بعض المشادات بيني و بينهم - خاصة في القضايا الطائفية - على أمل أن نستمر جميعا بالتدوين بروح أخوية يغلفها حب الوطن و العمل من أجله.
دمتم جميعا بخير و عيدكم مبارك مقدما
سيدة التنبيب

08 سبتمبر 2009

الرياح السافيات ..

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،







الرياح السافيات .. هو عنوان أحد فصول المجلد الرابع من موسوعة " الإمام علي صوت العدالة الإنسانية " للدكتور جورج جرداق .ذلك الطبيب المسيحي و الأديب العربي الذي يعتبر من أعظم من كتب حول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام . دأبت منذ سنوات على اعتبار ذكرى استشهاد الإمام علي ( ع ) في رمضان ، مناسبة سنوية أقرأ فيها بعض الفصول من هذه الموسوعة الرائعة .. لكن هذا الفصل بالذات أكرر قراءته سنويا دون أن أمله .



" الإمام علي صوت العدالة الإنسانية " .. موسوعة إنسانية من خمسة مجلدات تحمل العناوين التالية :




1-علي و حقوق الإنسان .



2-علي و الثورة الفرنسية .



3-علي و سقراط.



4- علي و عصره .



5- علي و القومية العربية.


و أسميها موسوعة إنسانية لأن كاتبها استطاع بالفعل أن يتحدث عن الإمام علي ( ع ) كإنسان ..قبل أن يكون إماما مسلما .تحدث عن علي و عن خصومه ببساطة شديدة تشرح و توضح أحداث التاريخ .. أسبابها و نتائجها .كل ذلك في أسلوب أدبي مميز ..ملك أركان اللغة و ألفاظها دون مغالاة أو ابتذال.








الرياح السافيات , فصل يروي وقائع معركة صفين .. و التي وقعت عام 37 للهجرة بين جيش العراق بقيادة الإمام علي ( ع ) ، و جيش الشام تحت إمرة معاوية بن أبي سفيان . صفين هو وادي قريب من نهر الفرات على مقربة من الرقة . أحب أن أنقل من هذا الفصل فقرة تصف أحد المواقف بين الجيشين .. ففي بداية الأمر تمكن جيش الشام من السيطرة على ماء الفرات و منعوا جيش العراق من ورود المياه . فما كان من الإمام علي إلا أن أرسل صاحبه الأشتر النخعي ( رض ) بكتيبة تمكنت من إجلاء جيش الشام عن المياه .





يقول الدكتور جرداق :



" و حاول بعض أصحاب علي إقناعه بأن يعامل معاوية و جيشه كما عاملوه فيمنعهم عن الماء . فأبى الرجل العظيم على أصحابه هذه


المحاولة ، و أتاح لخصومه ورود الماء أسوة بأصحابه . قالوا له : ( امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك ، و لا تسقهم منه

قطرة ، و اقتلهم بسيوف العطش و خذهم قبضا بالأيدي فلا حاجة لك إلى الحرب ) . فقال : ( لا و الله لا أكافئهم بمثل فعلهم ، أفسحوا

لهم عن الشريعة !) . و لو كان في جيش معاوية قبس من الخلق الكريم لأدركوا ، بهذا الحادث ، حقيقة كل من علي و معاوية ، و
لعرفوا لأية طائفة من الخلق ينتمي كل من الرجلين ، و لوثقوا أنهم بمناصرتهم معاوية على علي إنما يناصرون انتهازيا على نبي ! "




و كانت وقائع صفين كما يروي الكتاب في مئة و عشرة أيام .. تخللتها تسعون وقيعة من المناوشات خلاف المعركة الكبرى ..و التي تعرف بوقعة الهرير ، و بلغ عدد قتلاها من الجانبين مئة و عشرين ألف قتيل . يصف الدكتور جرداق قتال علي و بلاءه الذي نزل على جيش الشام في تلك المعركة قائلا :



" ألا إنه علي بن ابي طالب الذي تتمزق بسيفه الظلمات ، و تنقض على هام عدوه الرعود الصاعقات ، و تذروهم الرياح السافيات ،
فإذا به هول يدفع هولا ، و في عينيه دموع تحولت شرارا ، و في حناياه عطف توقد نارا ! ألا إنه علي بن أبي طالب الذي ما
توامض سيفه في الفضاء و هوى إلا و صاح معذب في الحجاز أو العراق أو أرض الشام يقول : بأبي أنت ، سيف الحق و
منصف المظلوم و المحروم . ألا إنه علي بن أبي طالب الذي تخضر الأرض حيث حطت له قدم ، و يسقط الغيث ! فمن وجهه مياه

النهر ، و من حبه أمواج البحر تعج عجيجا ! "



الواقع .. إنني لم أجد من كتب حول الإمام علي بمثل هذا الإسهاب , فكتابات الدكتور جورج جرداق لا تصنف أدبا فقط .. بل فكرا إنسانيا راقيا طاهرا يهز العقل و الوجدان معا .


لله در قلمك يا عظيم الأدب ..إننا لنخجل أمام كتاباتك ( و أنت المسيحي ) في حق عظيم الإسلام .. نحن من ندعي الإسلام و ندعي حب عظماء الإسلام دون أن نعرفهم حق معرفتهم ، لكن عزاءنا في ذلك أن عظيم الإسلام و ربيب النبوة .. هو من حق البشرية جمعاء ، و ليس حكرا على دين أو طائفة .



دمتم جميعا بخير


سيدة التنبيب




المصدر :

الإمام علي صوت العدالة الإنسانية لجورج جرداق - المجلد الرابع -علي و عصره. طبعة دار مكتبة الحياة ، بيروت 1970

05 سبتمبر 2009

سوالف دكاتره!

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..



أود اليوم أن ( أدردش ) قليلا حول عدد من المواضيع المنفصلة في فقرات قصيرة . بداية أرغب بالإشارة إلى أن عددا من الحالات الحرجة المصابة ب H1N1 في عدد من المستشفيات قد ثماثلت للشفاء .. حيث تم رفع ثلاث من المرضى من جهاز التنفس الصناعي - و منهم امرأة حامل في شهرها السابع - و نقلهم من العناية المركزة للأجنحة و الحمدلله . أتمنى الشفاء لباقي المرضى إن شاء الله .


************************************



جراحو العدان ..


زميلة لي تعمل في مستشفى العدان .. تقول أن كل من يعرف أنها في ذلك المستشفى يسألها مباشرة عن قضية الأخطاء الطبية التي أثيرت قبل أشهر. و مالذي حدث في تفاصيل القضية ( و هو نفس السؤال الذي كنا أنوي سؤالها إياه ). تقول أنه تم إنهاء عقد الطبيب الوافد و هو حاليا لا يعمل في المستشفى .. أما الطبيب الكويتي فقد أوقف انتدابه من كلية الطب للعمل في مستشفيات الصحة لمدة سنة و حتى إشعار آخر. و عليه فسيستمر بالتدريس في كلية الطب فقط.


*****************************



سوالف دكاتره ..



عادة لا يكف عنها الأطباء دائما .. و هي الحديث عن المرضى و الأمراض والأدوية حتى أثناء تواجدهم خارج المستشفى . أنا و زميلاتي أيضا لا نستطيع منع أنفسنا عن الحديث الطبي .. حتى عندما نخرج لشرب القهوة و الترفيه عن أنفسنا . رغم محاولاتنا الدائبة لتغيير مجرى الحديث و الكف عن الحديث حول العمل في المستشفى .. إلا أننا غالبا ما نفشل في ذلك . في جلستنا الأخيرة قبل رمضان لتناول الإفطار و شرب القهوة الصباحية أحد أيام السبت ..كنا قد قررنا أن لا نتحدث نهائيا عن الأمراض و الأدوية و أحداث المستشفى ..لكن ذلك طبعا كان من ضرب المستحيل .. حيث سيطرت انفلونزا الخنازير على غالبية التعليقات و ( السوالف ) !
********************************
" اللهم لا تغير شكلي .."
لا أدري هل وردت هذه العبارة في أحد الأدعية المروية عن الإمام علي السجاد عليه السلام .. أم غيره من الأئمة الطاهرين عليهم سلام الله جميعا .لكنها قفزت إلى مخي بعد أن سمعت الحادثة التالية من إحدى زميلاتي ..
تقول أنها كانت مشرفة على علاج إحدى المريضات التي ابتليت بمرض في جهاز المناعة يتسبب بإسقاط متكرر للحمل .. نتيجة تكون جلطات في المشيمة تتسبب بسقوط الجنين . كانت المريضة في الثانية و الثلاثين من عمرها و متزوجة منذ عشر سنوات و لم ترزق بطفل رغم محاولات الحمل العديدة. لكن دخولها المستشفى في الشتاء الماضي لم يكن لمجرد سقوط الحمل .. فقد تسبب المرض بحدوث جلطات كثيرة في أماكن متعددة من جسمها .. أدت في البداية لفقدان البصر .. و تماثلت للشفاء بحمد الله عن طريق أدوية السيولة ..ثم إصابتها بفشل كلوي تطلب غسيلا للدم ( و هي الكلمة العلمية الأصح في مقابل غسيل الكلى ) لفترة طويلة .. عادت بعدها الكلى تعمل أيضا .. و في أثناء ذلك أيضا أصيبت بالتهاب رئوي تطلب تنفسا صناعيا .. و تماثلت بعده للشفاء و الحمدلله . المريضة أمضت ما يقارب الثلاثة أشهر في المستشفى .. لكنها خرجت بعد ذلك للمنزل. تقول زميلتي .. في أول مراجعة للمريضة للعيادة الخارجية بعد خروجها من المستشفى , لم أتمكن من التعرف على المريضة .. ظننت أنها أختها التي كانت مواظبة على زيارتها .. و ذلك بسبب تغير شكلها تماما من المرض إلى الصحة .. لكنني فوجئت بأختها تدخل خلفها إلى العيادة فلم أعد أميز بينهما .. سألت : أيكما فتحية ؟ ( و هو اسم مستعار و ليس اسم المريضة الحقيقي ) . فضحكت المريضة و قالت : أنا هي يا دكتورة .. هل نسيتي الأشهر الثلاثة من المتابعة اليومية ؟ فرددت عليها قائلة : لا .. لكن شكلك قد تغير تماما للأحسن و الحمدلله .
********************
صحيح إن المرض يغير شكل الإنسان كثيرا .. و نحن كأطباء لا نلاحظ هذه النقطة كثيرا .. فغالبية من نراهم يكونون في فترة مرضهم .. و عندما يتماثلون للشفاء و تعود إليهم ( عافيتهم ) .. ينقطع اتصالنا بهم .
دمتم جميعا بخير
سيدة التنبيب