رحمك الله يا بو مبارك



ستكتمل قريبا سنوات خمس على فقدك .. طيب الله ثراك يا أمير القلوب

25 أكتوبر 2008

بر ..عقوق الوالدين

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


أرغب اليوم بالحديث عن ظاهرةصادفتني كثيرا خلال عملي في مستشفيات الكويت المختلفة. هي ليست ظاهرة بالمعنى السائد ولكنها من الذنوب الكبيرة و العياذ بالله . إني أتكلم - كما يقول العنوان عن عقوق الوالدين .


قبل ثلاث سنوات تقريبا ، أدخلت سيدة مسنة في الخامسة و السبعين من عمرها إلى العناية المركزة . كانت تعاني من فشل في القلب ناجم عن ضعف عضلة القلب . إلى جانب ذلك كانت تعاني من ( أمراضنا الوطنية ) و هي أمراض ارتفاع ضغط الدم و السكر و السمنة. كانت قد فقدت بصرها بسبب السكر و تستعين بسماعات لكي تتمكن من السماع جيدا.و طبعا لا داعي للقول بأنها لا تستطيع مغادرة الفراش بسبب السمنة و لآلام المفاصل و ضعف القلب . في صباح اليوم التالي ، جاءت إحدى بناتها تطلب الدخول لزيارتها. قلت لها أن الزيارة غير مسموح بها الآن و أن عليها أن تأتي عصرا .فأخذت تبكي و ترجوني أن أسمح لها بالدخول ، لأنها تخاف أن تتوفى والدتها قبل أن تسامحها . فهي كما قالت لم تزر والدتها و لا تكلمها منذ سنوات ! لم أستطع التعليق على الموضوع و سمحت لها بالدخول في أول فرصة سنحت بعد انتهائنا من المرور على المرضى . مالذي يمكن أن تفعله أم مسنة مريضة لا ترى و لا تكاد تسمع أو تتحرك بابنتها ، حتى تستحق منها كل هذه القطيعة ؟


و في إحدى المرات استقبل أطباء الحوادث رجلا مسنا يعاني من جلطة دماغية .من أحضره هو ( الصبي السائق الخادم ) ، الذي يعتني به .طلبوا منه الاتصال بأبناء المريض ليحضروا حتى يستطيعوا معرفة حالته و الأمراض التي يعاني منها و الأدوية التي يتلقاها . فإذا به يقول أنه هو المسئول عنه و يعرف كل ذلك و هو من يعطيه أدويته في مواعيدها و يذهب به لمراجعات العيادة في المستشفى . بل إنه أيضا يعرف رقم ملفه و يقوم باستخراجه في كل مراجعة!
في إحدى مناوباتي طلبت مني ممرضة أن أسحب دما لمريضة عندهم في الجناح لأنها تجد صعوبة في ذلك .ذهبت للمساعدة رغم أني لست مسئولة عن حالة المريضة ، فوجدتها سيدة مسنة أيضا و تعاني من جميع الأمراض الموجودة في كتب الطب ، و تتلقى ( صيدلية ) كاملة من الأدوية ، و ليس معها إلا الخادمة التي بالكاد تتحدث العربية - لأنها قدمت حديثا لتعمل هنا - و هي أيضا مسئولة عن رعاية السيدة .و السيدة المسنة ليست بوعيها الكامل بسبب جلطة دماغية قديمة . عندما اقتربت من السيدة المريضة لأسحب الدم لم أستطع التقدم كثيرا بسبب انبعاث رائحة كريهة جدا منها و اضطررت لاستعمال ثلاث أقنعة وجه لأستطيع الاقتراب منها و سحب عينة الدم . تمكنت من ذلك بصعوبة ، و بمجرد الانتهاء قصدت غرفة التمريض في الجناح لأفرغ معدتي ( أجلكم الله ) من شدة الغثيان الذي أصابني من رائحة السيدة !
هذه القصص واضحة و لا حاجة للتعليق . و هي مجرد أمثلة أتذكرها لحالات كثيرة تصادفنا في المستشفى حول إهمال الأبناء لرعاية آبائهم و أمهاتهم المرضى عند كبر سنهم .لن أحول المدونة إلى مكان لشرح المكانة الدينية و الأخلاقية لبر الوالدين .. لكن ما أردته هو تسليط الضوء على تفشي القسوة في قلوب الكثير من الناس ، و تبلد مشاعرهم و غياب ضمائرهم اتجاه أقرب الناس لهم .و الله المستعان .
و دمتم
سيدة التنبيب

هناك 8 تعليقات:

Safeed يقول...

تعليق متطرف قليلا ،

يقال بأنه لا يمكن جني الورد من الحنظل ، فهل يمكن جني البر ممن يرفض البر بأولاده ؟

أنا لا أبرر العقوق و العياذ بالله ، و لا أنفي وجود العاقين ، لكني في نفس الوقت أتساءل ، لماذا هذا العدد الملاحظ ؟
هل يعقل أنهم كلهم أصبحوا هكذا بسبب ( الفشل في التربية ) ؟
شخصيا ، لا أعتقد ذلك .
هناك الكثيرون منهم ما يقومون به هو مجرد رد فعل على ما حصلوا عليه طوال سنين حياتهم الأولى .
أحد من أعرفهم لم ير والده منذ 8 سنوات ، و إلى الآن لا يود رؤيته و لا حتى السؤال عنه ، لأنه تركه مع والدته عندما كان في المتوسطة و ذهب هو ليكمل نزواته ، و رغم ثرائه الفاحش جدا إلا أن بخله و تقتيره على أولاده وصل لدرجة شرائه علبة جبن واحدة لهم لمدة شهر كامل .

فهل أرمي الثقل بردة فعل ابنه على الابن و أتهمه بالعقوق ، أم أقول أنها مجرد ردة فعل لما زرعه والده فيه ؟

هذا الشيء لا ينفي وجود العاقين ، و في نفس الوقت لا ينفي أن البر و الصبر على ما يراه الإنسان من والديه و إن كان سوءًا مطلوب و واجب إنساني و ديني ، فالإحسان لهما أمر رباني .

و لكن يظل هؤلاء الناس بشر ، تعودوا على أن يكون الثمن مقابل المثمن .

نعوذ بالله من العقوق و من عاقبة السوء و من أرذل العمر .

الـبـيـرق يقول...

كـمـا تـديـن تـدان يـا مـن أهـمـلـت و عـقـت والـديـك


:(

سيدة التنبيب يقول...

أخي سفيد:
أتفق معك أن الجزاء من جنس العمل , و لكن هدفي من إثارة الفكرة هو بيان انتشار هذه الظاهرة ( كما و نوعا ) إن صح التعبير.و ها في رأيي ترجمة لانعدام الإنسانية في المجتمع.

البيرق :

نعم كما تقول ..فالجزاء من جنس العمل

Yin مدام يقول...

موضوع مؤسف ومنتشر ويرى بشكل كبير بالمستشفيات

قال صلى الله عليه واله وسلم:( رحم الله والد اعان ولده على بره )
صحيح أن على الوالدين إعانة أولادهم على برهم.. برحمتهم صغارا واحترامهم كبارا ولكن قدم الله سبحانه وتعالى واجب البر بالوالدين
وعلى برهم برّين كانا أم فاجرين
وليس من المعقول أن كل ما نراه من عقوق يختص بناحية واحدة بل بكلها مجتمعة.

وعلى الأبناء أن يتذكروا بأن:
من أراد إرضاء الله فسيبر بوالديه
ومن أراد الخير كله سيبر بوالديه
ومن أراد جزاءاً من جنس العمل بأن يبره أولاده أيضاً سيبر بوالديه
فللبر بهما جوائز دنيوية وأخروية
فمن استغنى وتكبر
ف "إن الله غني حميد"

اللهم إغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا
وارض عنهم وارضهم عنا حتى ترضى


خوش مدونة :))
بس ترى في قصص إيجابية ويدمع لها العين
شاهدناها تمثل البر المطلق بالوالدين
الله يكثر منها وسامحينا على الإطالة
:))

سيدة التنبيب يقول...

yin

شكرا على زيارة المدونة.

نعم هناك الكثير من القصص الإيجابية ، و هذا موضوع كان في نيتي الكتابة عنه لاحقا إنشاءالله .. فليست كل مواضيعي كئيبة و إن كان أكثرها كذلك . و الله المستعان.

اقصوصه يقول...

ما اعتقد في حد فالدنيا اهم من والدينا

نسال الله حسن العاقبه بس

Salah يقول...

ليس كل الناس عندهم القدرة على العناية بالمسن.

المسنين لديهم احتياجات خاصة تحتاج الى متخصص للقيام بها.

في الكويت لا توجد عندنا مراكز للعناية بالمسنين. هناك دار المسنين وهو مكان يلحق العار بكل ابن يرضى لوالده أو والدته أن تدخله. هذا المكان يجعل الجميع أمام خيارين اما القبول بالعار أو أن يبتكروا طرق غريبة حتى لا يصبحون عاقين بشكل رسمي وبشاهدة الأوراق الرسمية. فتجدين من يضع المسن في المستشفى ولا يرضى أن يستلمه لأنه يحتاج الى رعاية لا أحد يستطيع ان يقوم بها في المنزل، أو يستقدم خادمة من دولة اسيوية فقيرة لتقوم بعمل يفوق قدراتها النفسية والعلمية.

أكيد العقوق موجود ولكن الحكومة تتحمل بعضه.

سيدة التنبيب يقول...

أخي صلاح
أتفق معك على صعوبة رعاية المسنين خاصة إذا ما كانوا مرضى

و لكن كثير من الحالات التي أصادفها و التي أقصدها في الحديث هي الحالات التي لا نرى فيها الأبناء بتاتا بعد دخول والديهم إلى المستشفى . فعندما يدخل أي مريض تجد الكثير من الناس يزورونه و يتابعون حالته .أما الحالات التي أقصدها فهي الإهمال التام و التقصير حتى بمجرد زيارة و سؤال للاطمئنان على وضع الوالدين . و هي حالات كما أراها منتشرة و تتزايد باستمرار