الرياح السافيات .. هو عنوان أحد فصول المجلد الرابع من موسوعة " الإمام علي صوت العدالة الإنسانية " للدكتور جورج جرداق .ذلك الطبيب المسيحي و الأديب العربي الذي يعتبر من أعظم من كتب حول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام . دأبت منذ سنوات على اعتبار ذكرى استشهاد الإمام علي ( ع ) في رمضان ، مناسبة سنوية أقرأ فيها بعض الفصول من هذه الموسوعة الرائعة .. لكن هذا الفصل بالذات أكرر قراءته سنويا دون أن أمله .
" الإمام علي صوت العدالة الإنسانية " .. موسوعة إنسانية من خمسة مجلدات تحمل العناوين التالية :
1-علي و حقوق الإنسان .
2-علي و الثورة الفرنسية .
3-علي و سقراط.
4- علي و عصره .
5- علي و القومية العربية.
و أسميها موسوعة إنسانية لأن كاتبها استطاع بالفعل أن يتحدث عن الإمام علي ( ع ) كإنسان ..قبل أن يكون إماما مسلما .تحدث عن علي و عن خصومه ببساطة شديدة تشرح و توضح أحداث التاريخ .. أسبابها و نتائجها .كل ذلك في أسلوب أدبي مميز ..ملك أركان اللغة و ألفاظها دون مغالاة أو ابتذال.
الرياح السافيات , فصل يروي وقائع معركة صفين .. و التي وقعت عام 37 للهجرة بين جيش العراق بقيادة الإمام علي ( ع ) ، و جيش الشام تحت إمرة معاوية بن أبي سفيان . صفين هو وادي قريب من نهر الفرات على مقربة من الرقة . أحب أن أنقل من هذا الفصل فقرة تصف أحد المواقف بين الجيشين .. ففي بداية الأمر تمكن جيش الشام من السيطرة على ماء الفرات و منعوا جيش العراق من ورود المياه . فما كان من الإمام علي إلا أن أرسل صاحبه الأشتر النخعي ( رض ) بكتيبة تمكنت من إجلاء جيش الشام عن المياه .
يقول الدكتور جرداق :
" و حاول بعض أصحاب علي إقناعه بأن يعامل معاوية و جيشه كما عاملوه فيمنعهم عن الماء . فأبى الرجل العظيم على أصحابه هذه
المحاولة ، و أتاح لخصومه ورود الماء أسوة بأصحابه . قالوا له : ( امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك ، و لا تسقهم منه
قطرة ، و اقتلهم بسيوف العطش و خذهم قبضا بالأيدي فلا حاجة لك إلى الحرب ) . فقال : ( لا و الله لا أكافئهم بمثل فعلهم ، أفسحوا
لهم عن الشريعة !) . و لو كان في جيش معاوية قبس من الخلق الكريم لأدركوا ، بهذا الحادث ، حقيقة كل من علي و معاوية ، و
لعرفوا لأية طائفة من الخلق ينتمي كل من الرجلين ، و لوثقوا أنهم بمناصرتهم معاوية على علي إنما يناصرون انتهازيا على نبي ! "
و كانت وقائع صفين كما يروي الكتاب في مئة و عشرة أيام .. تخللتها تسعون وقيعة من المناوشات خلاف المعركة الكبرى ..و التي تعرف بوقعة الهرير ، و بلغ عدد قتلاها من الجانبين مئة و عشرين ألف قتيل . يصف الدكتور جرداق قتال علي و بلاءه الذي نزل على جيش الشام في تلك المعركة قائلا :
" ألا إنه علي بن ابي طالب الذي تتمزق بسيفه الظلمات ، و تنقض على هام عدوه الرعود الصاعقات ، و تذروهم الرياح السافيات ،
فإذا به هول يدفع هولا ، و في عينيه دموع تحولت شرارا ، و في حناياه عطف توقد نارا ! ألا إنه علي بن أبي طالب الذي ما
توامض سيفه في الفضاء و هوى إلا و صاح معذب في الحجاز أو العراق أو أرض الشام يقول : بأبي أنت ، سيف الحق و
منصف المظلوم و المحروم . ألا إنه علي بن أبي طالب الذي تخضر الأرض حيث حطت له قدم ، و يسقط الغيث ! فمن وجهه مياه
النهر ، و من حبه أمواج البحر تعج عجيجا ! "
الواقع .. إنني لم أجد من كتب حول الإمام علي بمثل هذا الإسهاب , فكتابات الدكتور جورج جرداق لا تصنف أدبا فقط .. بل فكرا إنسانيا راقيا طاهرا يهز العقل و الوجدان معا .
لله در قلمك يا عظيم الأدب ..إننا لنخجل أمام كتاباتك ( و أنت المسيحي ) في حق عظيم الإسلام .. نحن من ندعي الإسلام و ندعي حب عظماء الإسلام دون أن نعرفهم حق معرفتهم ، لكن عزاءنا في ذلك أن عظيم الإسلام و ربيب النبوة .. هو من حق البشرية جمعاء ، و ليس حكرا على دين أو طائفة .
دمتم جميعا بخير
سيدة التنبيب
المصدر :
الإمام علي صوت العدالة الإنسانية لجورج جرداق - المجلد الرابع -علي و عصره. طبعة دار مكتبة الحياة ، بيروت 1970
هناك 11 تعليقًا:
عظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب أمير المؤمنين سلام الله عليه
وساعد الله قلب اليتامى
احسنتم ..
كتاب رائع ..
وعظم الله اجركم ..
كان يدرسني فلسفة التربيّة، دكتور فلسفة، في جامعة خارج الكويت.. لازلت أذكر كلماته مرة في احدى المحاضرات حين حدث جدال فلسفي/ديني.
رغم أنه كان متخصصًا بالفلسفة، و الفلسفة الاسلامية تحديدا إلا أنّه لم يكن مسلمًا، كان لادينيا، رغم إيمانه بالخالق.. ذلك اليوم قال كلمة لا زالت ترن في أذني:
" أنا احترم كافة السياسيين و الأنبياء و الرموز و الأدباء .. إلخ، لكن عندي لا يوجد مقدسات في البحث العلمي.
لا يوجد عندي إلا شخصية واحدة لها مكانة لا يصل لها أحد في نفسي، ذلك هو الإمام علي [عليه السلام]"
سلام الله عليك يا أبا الحسن، يا جمعت في صفاتك الأضداد، فعزّ لك الانداد.
عظم الله أجوركم.
احسنت اختنا العزيزة
المشكلة ان اولئك يعرفون من هو علي عليه السلام , و لكن اصموا اذانهم و اعموا ابصارهم من اجل الملك
و كلنا نعرف جواب ضرار بن ضمرة عندما سأله معاوية بأن يصف له الامام
سلام الله عليك يا امير المؤمنين
عظم الله أجورنا و أجوركم بإستشهاد إمام المتقين و يعسوب الدين و قائد الغر المحجلين أسد الله الغالب غالب كل غالب مظهر العجائب علي بن أبي طالب
و انا لله و انا اليه راجعون
شكرا لك سيدتي الرائعة ..
مدونة جميلة جدا ...
عظم الله لك الأجر
أهلا بكم جميعا و عظم الله أجورنا و أجوركم
علي الملا و مطعم باكه :
شكرا لكما و عظم الله لكم الأجر
سفيد :
كنت قد قرأت أن الدكنور جورج جرداق بدأ حياته طبيبا ثم اتجه للفلسفة ؟
من الصعب أن نقارن تربية السماء و النبوة بتربية باقي البشر .. فالإمام علي هو حجة الله التي لا يضاهيها أحد
د. معرفي و علي إسماعيل الشطي :
شكرا لكما و حشرنا الله و إياكم مع إمامنا العظيم
عقدة المطر:
أهلا بك في مدونتك
عظم الله أجورنا و أجوركم بمصاب أمير المؤمنين
دكتورتنا
ماجورة على ما ذكرتِ من معلومات
وعظم الله اجوركم مع انها متاخرة
والاحلى مشاهدة مسلسل الامام علي لان واقعة صفين احد المشاهد التي يجب ان لا تفوتك على الشاشة الصغيرة
والكتاب جميل
وان شاء الله اسعى لاقتنائه
دمتي بحفظ الرحمن
منال :
أهلا بك و تقبل الله أعمالنا و إياكم
شاهدت المسلسل قبل سنوات .. بشكل عام أحب القراءة أكثر حول الإمام علي عليه السلام.. أشعر أنه لا يمكن للمسلسلات تجسيد حياة هذا العظيم
الكتاب فعلا رائع و يستحق القراءة و الاقتناء
لولا الأذواق لبارت السلع
:)
إرسال تعليق