السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أخيرا سيكون هناك هجوم على الأطباء .. بصراحة لا أدري كيف أرتب أفكاري و أسلسلها حتى تصل الفكرة التي أريد . قد أواجه بالاتهام بأني أنا المعقدة و ما أفعله هو إسقاط عقدي على غيري . ربما .. نحن لسنا مجتمعا من الملائكة أو المعصومين حتى يكون كلامنا خاليا من الأخطاء .. لكني أحاول توضيح آثار العقد هذه على سير العمل لدينا .. لأن مجتمع المستشفى يعتمد بشكل كبير على العلاقات الإنسانية بين جميع العاملين . مجتمع المستشفى يتطلب العمل بروح الفريق الواحد من جميع الأقسام، و ليس العمل بروح المنافسة .و إذا كان هناك انتقاد ما فيجب أن يكون بناءا بهدف الإصلاح , و ليس لتسفيه الغير و الانتقاص من شأنهم .
قررت ترتيب الفقرات حسب ( العقدة ) التي أراها .. لأنه لا يمكن التعميم على أي تخصص أو مركز معين ..
جنون العظمة !
و أقصد بها الحالة التي تنتاب بعض الأطباء عند حصولهم على مؤهل أو مركز متميز ..فتراه يتصرف و كأنه الوحيد الذي وصل لهذه المكانة .يعطي لنفسه أهمية قصوى و لا يحترم آراء غيره . غير أن هناك بعضا من الأطباء ممن يتصفون بهذه الصفة منذ اليوم الأول لتخرجهم .. و ربما تكون هذه عقدة خاصة بهم لا علاقة لها بالطب . فهم سيتصرفون نفس التصرفات أيا كانت وظيقتهم .كنت طالبة في السنة النهائية من الدراسة عندما صادفتني طبيبة اعتقدت أنها مسئولة الوحدة التي أتدرب فيها بسبب طريقة معاملتها للجميع من أطباء و ممرضين وأهالي المرضى و حتى نحن الطلبة .كان هناك طبيب حديث التخرج من متفوفي كليتنا من ضمن هذه الوحدة وكان مثالا ممتازا للطبيب المواظب الملتزم مهنيا و أخلاقيا .كانت هذه الطبيبة تحدثه بطريقة غير لائقة و كنا نلتمس لها العذر أنها ليست من كليتنا و لا تعرف قيمة هذه الطبيب. حدث موقف أثناء الخفارة عرفنا منه مستوى هذه الطبيبة المهني .. طلب منها استشاري الوحدة أن تعاين حالة تنتظر في قسم الحوادث فرفضت .. فما كان منه إلا أن بدأ بتوبيخ الجميع قائلا : كيف ستصبحون أطباءا تحملون مسئولية المرضى إذا كانت أصغر طبيبة في الوحدة لا تمتثل لأوامر رئيس الوحدة ؟ عرفنا أنها طبيبة متدربة لم يمض على تخرجها سوى ستة أشهر ! و مع ذلك فقد كانت تتصرف كأنها أكبر مسئولة في الوحدة . عندما كان أهالي المرضى يرغبون بالسؤال عن حالة المريض فقد كانت تتطوع أن تجيبهم نيابة عن الجميع ، غير أنها لم تكن تحسن التعامل معهم .. كانت تعتبر التعامل معهم عبئا على الأطباء و إنها بشخصيتها و أسلوبها ( قاعدة تفكنا منهم ) ! لقد تعلمت من طريقة معاملتها لهم أنني يجب أن لا أتصرف مثلها عندما أتخرج و تكون لي علاقات مع أهالي المرضى .
من أشهر التخصصات التي يعاني أطباؤها من هذه العقدة - كما أعتقد - هما تخصصا القلب و جراحة التجميل .فقد لاحظت أن الكثير من أطباء القلب في مستشفياتنا المختلفة و كذلك في الخارج يتصرفون كأنه لم يتخصص أحد في طب القلب سواهم .بل إن هذه الفكرة تستولي على عقول الكثير من الأطباء الذين يرون أن أطباء القلب مصابون بجنون العظمة و يتصرفون على هذا الأساس . طبعا ليس الكل لكنني أعتقد أن غالبية أطباء القلب هكذا .أعرف طبيب قلب بارع جدا في عمله و يتحدث دائما بأسلوب علمي منطقي .. إلا أنه لا يستمع لآراء غيره من أطباء التخصصات الأخرى .. و يقوم بإهانتهم و إهانة الكادر التمريضي ..عندما يطلب منه الكشف على حالة مريض ما و يتضح له أن المرض لا علاقة له بالقلب .. حيث يتهمهم بالجهل و الغباء و إضاعة وقته . كان العديد من الأطباء في أقسام المستشفى المختلفة يسمونه ( الطاووس الكندي )، لأنه من أوائل الأطباء الذين عادوا من كندا في التسعينيات و هو يحمل أفكارا جديدة و أسلوب عمل مختلف . إلا أن أسلوب تعامله مع الجميع هو ما يجعل الناس ينفرون منه .
طبيب قلب آخر في مستشفى آخر كان يتصرف بنفس الطريقة . منذ أيام الدراسة عندما كنا نجلس في غرفة الاجتماعات لمناقشة الحالات مع الأطباء .. كان لا يقبل بأن يجلس أحد على كرسيه ! رغم أن الغرفة ليست مخصصة لأي قسم بل هي لجميع الأقسام .و عندما كان يحضر متأخرا و يجد أحدا يجلس على ذلك الكرسي كان يطلب منه النهوض و الجلوس على كرسي آخر ! بعد التخرج صادفته في أحد الأيام حيث كان أحد أقربائي يعاني من مرض في القلب .. و كنت أتدرب في نفس المستشفى فذهبت للاطمئنان عليه , وجدت ذلك الطبيب فقررت أن أسأله عن حالة قريبي لكنني رأيته يتحدث مع طبيب آخر عن قريبي و يقول : زفيت أهله عدل .. ولده يقول بنوديه لندن قلت له يلا ييب طيارة ووده لندن ! عندها تراجعت مكتفية بإلقاء نظرة على الملف و قراءة الملاحظات و التقارير .
جراحو التجميل أيضا لهم نصيب كبير من هذه العقدة . الواقع إن شخصية جراح التجميل شخصية مممتعة للتحليل .فهو لديه مزيج من الذكاء الخارق و روح الخيال و الجرأة و الدقة في العمل . و هو خليط ممتاز يفترض بأن يجعل الشخصية محبوبة للغاية . و جراحو التجميل أيضا في الكويت و الخارج- ممن عملت معهم - يجعلون العمل ممتعا إذا تم كل شئ كما يريدون .و بعضهم يبذل الجهد و الوقت ليكون جميع من يعمل معهم مدركا للطريقة التي يجب أن يكون عليها نظام العمل .أما غالبيتهم فهم ممن يكتفون بالصراخ و الانتقاد و ( تسميم دم ) كل من معهم دون أن يشرحوا ماذا يريدون و كيف يجب أن يكون نظام العمل .أحد هؤلاء الجراحين كنت أسمع عنه قبل عودته من الخارج .. كان أفراد هيئة التمريض يتحدثون عنه في شهر مايو .. و أنه سيعود للعمل في الكويت في سبتمبر .. و كيف يجب أن يتعاملوا معه ! ( يزهبون الدوا قبل الفلعة ) من شدة ضيقهم به و بطريقة عمله . التقيت به فيما بعد أثناء أحد المؤتمرات و لمست فيه شخصية قيادية من الدرجة الأولى .. لكن تعود نفس المشكلة للظهور و هي عدم احترامه للغير و بالتالي نفور الناس منه .
إن عملية فهمنا للاختلافات الشخصية مهمة جدا لتفادي التصادم .. مما يصب في مصلحة العمل .بالنسبة لي إذا كان الطبيب أو الطبيبة بارعا مخلصا في عمله .. لديه القدرة على اتخاذ القرارات و تحمل نتائجها بالنسبة لعلاج المرضى .. فهذا كل ما أريد .. عندها أقوم بالتغاضي عن كثير من التصرفات التي قد تضايق البعض و تؤثر على علاقات الزمالة بينهم .
و دمتم
سيدة التنبيب